ما هي تكنولوجيا الرعاية الصحية؟ وما أهم تطبيقاتها اليوم؟

لا تزال الثورة الرقمية التي يشهدها العالم الآن تتطوّر وتتبلور لتصبح مُهيئة أكثر لخدمة الإنسان، ويُعدّ التحول الرقمي في الرعاية الصحية هو الأقوى على الإطلاق مقارنةً بباقي المجالات. 

إذ ساعدت تكنولوجيا الرعاية الصحية الأطباء في تطوير المعرفة العلمية وإثراء مخزونهم من المعلومات وتنمية مهاراتهم في المجال الطبي، كما ساعدت القطاع الطبي كاملًا في اكتشاف أمراض معينة، وابتكار طُرق لعلاج ما هو مُستعصي منها، وتركيب أدوية جديدة لم تكن مُستخدمة من قبل.

اليوم سنفنّد أهم تطبيقات تكنولوجيا الرعاية الصحية، وكيف دخلت في المجال الطبي، مع شرح بسيط حول مفهوم هذه التقنية الثورية.

ما هي تكنولوجيا الرعاية الصحية؟

هي ببساطة أيّ تقنية تدعم وتصبّ في مصلحة مجال الرعاية الصحية من أجهزة طبية حديثة بمقوّمات متطورة، وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، والخوارزميات المعقدة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، والحوسبة السحابية، وتكنولوجيا البلوكتشين، وجميع ما سبق صُمم لدعم مؤسسات الرعاية الصحية والتطوير من خدماتها.

ما هي فوائد تكنولوجيا الرعاية الصحية؟

  • تحسين مستوى رعاية المرضى وتجاربهم العلاجية.
  • مزامنة المعلومات المتعلقة بالمرضى أول بأول مع الحفاظ على خصوصية المريض وحماية تلك البيانات في مكان آمن يسهل فقط على الأطباء الوصول إليه.
  • مرونة التعامل بين المريض وطبيبه لمراقبة وتتبع حالته.
  • توفير الوقت والجهد في دراسة حالة المريض باستخدام طرق وأدوات حديثة.

ما هي أهم تطبيقات تكنولوجيا الرعاية الصحية؟

حتّم ارتباط مستقبل الرعاية الصحية بالتكنولوجيا على العاملين في المجال الصحي من أطباء وصيادلة وباحثين وموظفين في المرافق الصحية من استخدام أدوات متقدمة ومتطورة وفّرتها لهم التكنولوجيا الحديثة.

وزاد الاستثمار في تكنولوجيا الرعاية الصحية عقب جائحة كورونا التي فتكت بالعالم عام 2020 وغيّرت الكثير من المفاهيم نحو الأفضل، فبدأ الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (ML) والأجهزة القابلة للارتداء، وأنظمة الرعاية الصحية عن بعد، والتي ساعدت البشرية في الحفاظ على صحة أفضل.

  1. تطبيقات الهاتف المحمول 

تُستخدم الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية في اكتشاف المشاكل الصحية أو منع حدوثها من خلال تحميل تطبيقات على الهاتف المحمول تدعم الصحة الوقائية أو استخدام الأجهزة القابلة للارتداء (Wearable Devices)، مثل الساعة الذكية.

تساعد هذه التطبيقات والأجهزة المرضى في قياس معدل ضربات القلب، وضغط الدم، وإخطار المريض عن أيّ مشكلة غريبة، وحساب عدد الخطوات يوميًا، ومراقبة معدل نوم المريض، واقتراب الحيض، ونوافذ الخصوبة لدى النساء. 

كما يستخدم مقدمو الرعاية الصحية الهواتف الذكية في الوصول إلى سجلات المرضى والتواصل معهم ومع باقي أفراد الطاقم الطبي.

ملاحظة: تُنقذ الأجهزة القابلة للارتداء حياة الكثير من المرضى في حالات الطوارئ لأنها مزوّدة بميّزة الاتصال بخدمة الطوارئ تلقائيًا في حال لم يكن هناك أيّ استجابة من مرتدي هذا الجهاز بعد إظهار التنبيه على الشاشة.

  1. السجلات الطبية الإلكترونية والوصفات الإلكترونية

يُعدّ السجل الطبي الإلكتروني هو نسخة إلكترونية عن التاريخ العلاجي للمريض، ويتضمن معلومات طبية شاملة حول الأمراض التي يعاني منها مع التواريخ الدقيقة، وما إذا كان لديه وضع خاص كأن يعاني من حساسية اتجاه نوع دواء معين مثلًا، وقوائم بالأدوية التي تلقاها سابقًا ويتلقاها الآن، ونتائج الفحوص الطبية الشاملة، وتقارير الأشعة وغيرها الكثير. 

تساعد تكنولوجيا الرعاية الصحية الأطباء في اعتماد النهج الصحيح لمعالجة المريض بدقة، تجنبًا للوقوع في الأخطاء الطبية الكارثية التي قد تنتج عن عدم إلمام المريض الكافي بمرضه أو عدم معرفة الطبيب معلومات كافية عن حالة المريض العامة. 

مثلًا سهّلت الوصفات الإلكترونية (e-Rx) على الأطباء وصف الأدوية وساعدتهم في التخلّي تمامًا عن الوصفات الورقية المعرّضة للإتلاف أو التي يمكن أن يُخطئ الصيدلي في قرائتها.

  1. الطب الدقيق المبني على المعلومات الجينية

يأخذ الطب الدقيق والمعروف باسم “Precision Medicine” بعين الاعتبار الاختلافات الجينية والبيئية ونمط حياة المريض أثناء تشخيص المرض ورحلة العلاج، وبالتالي لا يعتمد فقط على الأعراض الظاهرة.

إذًا الأطباء هنا سيعتمدون على بيانات المرضى في التحليل والتقصي من خلال جمع البيانات الضخمة (Big Data) وتخزينها على النظام ومشاركة تلك البيانات مع الطاقم الطبي لاتخاذ الإجراءات اللازمة والقرار الصحيح في العلاج.

ملاحظة: أُطلقت مبادرة بحثية في أمريكا في يناير 2015 لدعم تكنولوجيا الرعاية الصحية في جمع بيانات المرضى، إلا أن هذا شكّل في ذاك الوقت تحديًا كبيرًا وأصبح الأمر الآن أكثر سهولة من حيث التعامل مع تلك البيانات واعتمادها في إجراء أبحاث طبية وابتكار علاجات متطورة.

  1. التحليلات التنبؤية 

عززت التحليلات التنبؤية (Predictive Analytics) وجودها في تكنولوجيا الرعاية الصحية كونها تعتمد التكنولوجيا الرقمية في العلاج، مثل الخوارزميات والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وما إلى ذلك.

كما تعتمد على الإحصائيات العامة للتنبؤ بحالات فردية للمرضى من خلال البحث في البيانات الضخمة لمرضى آخرين وتحليلها والتوصّل إلى نتيجة.

وطبعًا تطمح دومًا تكنولوجيا الرعاية الصحية في حماية بيانات المرضى وتخزينها في مكان آمن، ومنع الوصول إليها إلا لأغراض طبية من باب الحفاظ على الجانب الأخلاقي والهدف السامي من جمع تلك البيانات.

ومن أهم النتائج التي تمنحنا إياها التحليلات التنبؤية (PA): تحسين تشخيص الأمراض، وابتكار علاج مخصص وفردي لكل مريض بشكل أفضل، وتوفير الوقت والمال في رحلة العلاج، كما تمكّن أصحاب العمل من التنبؤ بتكلفة التأمين الصحي لموظفيهم.

  1. الرعاية الصحية عن بعد

تستخدم الرعاية الصحية (telehealth) تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية عن بعد، وهذا مفيد للناس الذين يعيشون في مناطق نائية أو ليس لديهم القدرة الكافية على الحركة، لذا يتم تطبيبهم وهم جالسون في منازلهم.

مثلًا يمكن أن يسجّل المريض مواعيد الأدوية التي يتناولها ووجبات الطعام ومعدل ضغط الدم وضربات القلب ومستوى سكر الدم عبر تطبيقات الهواتف المحمولة التي تحدثنا عنها أعلاه، وتزويد الطبيب بهذه التفاصيل أونلاين دون الحاجة لزيارته في العيادة.

أيضًا يمكن أن يعرف المريض بمواعيد المراجعات ونتائج الفحص الطبي أونلاين، أو حتى حجز موعد عن بعد لأخذ استشارة طبية. وهذا ما أفادتنا به تكنولوجيا البلوكتشين (Blockchain) التي وفرت استشارات افتراضية للمرضى على يد أشهر الأطباء حول العالم.

  1. أجهزة قياس ضربات القلب المتصلة بالإنترنت 

قبل انتشار إنترنت الأشياء (IoT)، كان على المرضى زيارة أطبائهم بشكل متكرر لإجراء فحص طبي وقياس معدل ضربات القلب والاطمئنان أن كل شيء على ما يرام، بالإضافة إلى دفعهم تكاليف طبية باهظة بسبب الزيارات المتكررة. 

أما الآن ومع وجود أجهزة تنظيم ضربات القلب المزوّدة بتقنية البلوتوث، أصبح بإمكان المرضى إرسال بياناتهم إلى أطبائهم عبر هواتفهم المحمولة عن بعد. وما يميّز هذه الأجهزة هو قدرتها على نقل البيانات تلقائيًا إلى الطبيب في حال أوشكت بطارية الجهاز على الانتهاء أو اُكتشفت مشكلة برمجية مُفاجئة في الجهاز.

  1. الفحوصات المدعومة من الذكاء الاصطناعي

تمكّن الفحوصات الطبية المبنية على الذكاء الاصطناعي (AI-enabled check-ups) من اتخاذ تدابير وإجراءات استباقية قبل الإصابة بمرض معين، إذ تتنبأ تلك الفحوصات بمخاطر إصابة الفرد بمرض معين في السنوات الأربعة المقبلة.

تعتمد الفحوصات على بيانات المريض العامة في التنبؤ، مثل عاداته الصحية وأسلوب معيشته وتاريخه الطبي السابق وغيرها من الأمور، وتشمل هذه التنبؤات 10 أمراض رئيسية مقسّمة في مجموعتين، وأهمها سرطان الثدي وسرطان الكبد.

ملاحظة: الأجهزة من هذا النوع تكون نتائجها رهيبة في المناطق التي تضعف فيها الرعاية الصحية، مثل الدول الإفريقية النائية.

  1. مراصد مراقبة الأوبئة والأمراض (علم الأوبئة الرقمي)

يتشارك علم الأوبئة الرقمي مع علم الأوبئة التقليدي في نفس الهدف، وهو فهم النمط الصحي العام والمتبع في منطقة معينة على الأرض وأكثر الأمراض التي يعانون منها.

إلّا أن نقطة الاختلاف الفجّة بينهما تكمن في أن علم الأوبئة الرقمي يستخدم بيانات لم ينتجها خبراء المجال الطبي والصحي، بل البيانات التي يعتمدها مبنية على بيانات محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.

  1. التكنولوجيا الحيوية (الحوسبة لدراسة علم الوراثة والبيانات البيولوجية الأخرى)

تُعرّف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي مصطلح “التكنولوجيا الحيوية” على أنه: أيّ تطبيق تكنولوجي يستخدم أنظمة بيولوجية أو كائنات حية لصنع أو تعديل منتجات أو إجراء تجارب لهدف محدد.

ويشمل تطبيق تكنولوجيا الرعاية الصحية في هذا المجال إنتاج أدوية لعلاج أمراض معينة أو الوقاية منها مثل اللقاحات، ودراسة الحمض النووي، لفهم كيفية التلاعب بالتركيب الجيني للخلايا بشكل أفضل. 

  1. الروبوتات الطبية

وهي آلات دقيقة جدًا تساعد في إجراء العمليات الجراحية والتمريض وفحوصات الدم وغيرها، ويتحكم بها الطبيب من خلال وحدة تحكّم متكاملة. 

أثار ظهور هذا النوع من تكنولوجيا الرعاية الصحية مخاوف العاملين في مجال القطاع الطبي بسبب تخوّفهم من فكرة التخلّي التام عنهم بوجود روبوتات ذكية لا تُخطئ. 

وعلى الأقل في ظلّ وجود الروبوتات سيتم الاستغناء عن أفراد الطاقم الطبي من ذوي الكفاءات المنخفضة نسبيًا.

أهم فوائد استخدام الروبوتات: تشخيص أفضل للمرض، جراحة أقل توغلًا، دقة عالية، تعافي سريع، وأخيرًا انتظار أقل. 

كما تساعد الروبوتات الممرضات في أداء مهامهم، مثل جمع الإمدادات وإحضارها إلى غرف المرضى، وتسليم عيّنات الدم والخزع إلى المخابر، وتجهيز الغرف لاستقبال مرضى جدد، وغيرها الكثير. 

كل ما ذكرناه في هذا المقال ليس سوى جزء من تطبيقات تكنولوجيا الرعاية الصحية، وما خُفيَ أعظم لأن التحول الرقمي لا يزال في بداياته ومستقبلًا سيشهد القطاع الصحي تقدمًا أوسع وأكثر أهمية